مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
كون العمل موافقا للسنة
كذلك أيضا نوصيكم بالمتابعة التي هي كَوْنُ العمل موافقًا للسنة، وذلك لأن السُّنَّة -التي هي أقوال نبينا محمد اسم> -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله، وتقريراته هي السبب في قبول العمل أيضا. وقد بَيَّنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أُجْمِلَ من هذه المناسك، وذلك لأن الله تعالى ذكر الحج في القرآن، ولما ذَكَرَه ذَكَرَهُ مُجْمَلًا، قال الله تعالى: رسم> وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ قرآن> رسم> ولم يَتَبَيَّنْ من الآية الإحرام، ولا محظورات الإحرام، ولم يَتَبَيَّنْ ما بعد الإحرام، ولا أسباب التَّحَلُّلِ، ولا غير ذلك.
وذكر الله تعالى التَّمَتُّعَ، فقال تعالى: رسم> فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ قرآن> رسم> ؛ يعني انتفع بأداء عمرة، ثم حج رسم> فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ قرآن> رسم> ذكر التمتع، وكذلك أيضا ذكر الإحصار: رسم> فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ قرآن> رسم> وذكر حُكْمَ من لم يَقْدِر على الهدي بقوله تعالى: رسم> فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ قرآن> رسم> وذكر ما يتجنبه الحاج بقوله: رسم> فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ قرآن> رسم> .
ذكر الله تعالى هذه الأحكام، ولكنها تحتاج إلى بيان، وتحتاج إلى تفصيل، فما المراد بالرَّفَث؟ وما المراد بالفسوق؟ وما المراد بالجدال الذي أُمِرَ بأن يَتَجَنَّبَهُ؟ بينت السنة أن الرفث يدخل فيه الجماع ومقدمات الجماع، والكلام في الفروج، وفي العورات، وما أشبه ذلك، يتجنبه الحاج، وكذلك يتجنب المعاصي؛ لأن الله تعالى أَجْمَلَهَا في قوله: رسم> وَلَا فُسُوقَ قرآن> رسم> والنبي -صلى الله عليه وسلم- أيضا ذكرها في قوله: رسم> مَنْ حَجَّ فلم يَرْفُثْ ولم يفسق متن_ح> رسم> أي تَجَنَّبَ الرفث، وتجنب الفسوق. فهذا بيان لِمُجْمَلِ الحج، ولكن بينت السنة تفاصيل ذلك.
فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجته كيفية ما يعمله الحاج من حين يَقْدَمُ إلى أن يَرْحَلَ، بَيَّنَهُ؛ وذلك لأنه -صلى الله عليه وسلم- أَوَّلًا بَيَّنَ المواقيت المكانية. الله تعالى ذكر المواقيت الزمنية مُجْمَلَةً في قوله تعالى: رسم> الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ قرآن> رسم> بَيَّنَتِ السنة هذه الأشهر، أنها: شهر شوال، وذو القعدة، والعشر الْأُوُل من شهر ذي الحجة؛ أن هذه أشهر الحج المعلومات، بينتها السنة.
كذلك أيضا بَيَّنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- المواقيت المكانية بقوله: رسم> يُهِلُّ أهل المدينة اسم> من ذي الْحُلَيْفة اسم> وأهل الشام اسم> من الْجُحْفة اسم> وأهل نجد اسم> من قَرْن المنازل اسم> وأهل اليمن اسم> من يَلَمْلَم اسم> وقال: هُنَّ لَهُنَّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهم مِمَّنْ أراد الحج والعمرة، ومَنْ كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ متن_ح> رسم> حتى أهل مكة اسم> من مكة اسم> .
هكذا بَيَّنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- المواقيت: أن أهل نجد اسم> الذين يأتون من جهة نجد اسم> ميقاتهم قرن الْمَنَازل اسم> الذي يعرف بالسَّيْل اسم> إذا جاءوه فيُحْرِمُون منه. وكذلك أهل المدينة اسم> ومن أتوا من جهة الشمال كأهل تبوك اسم> وأهل تلك المناطق يمرون بالمدينة اسم> ويُحْرِمُون من ميقاتها. كذلك أهل الشام اسم> ومصر اسم> والمغرب اسم> الذين يأتون عن طريق الْبَرِّ يُحْرِمُون من الجحفة اسم> كذلك أهل اليمن اسم> وأهل تهامة اسم> وأهل المناطق الجنوبية يُحْرِمُون من يلملم اسم> .
هكذا بَيَّنَهَا النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك لئلا يتجاوزوها إلا وقد تلبسوا بعمل يدل على أنهم حُجَّاجٌ أو عُمَّارٌ. كذلك أيضا النبي -صلى الله عليه وسلم- حج مرة واحدة سنة عشر، وقال للناس: رسم> خذوا عني مناسككم متن_ح> رسم> أَعْلَمَ أَنَّهُ سوف يَحُجُّ، ولما أَعْلَمَ توافد الناس إلى المدينة اسم> واجتمع بها خلق يريدون أن يقتدوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولما كان في اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، خرج فصلى في المدينة اسم> الظهر أربع ركعات، ثم جاء إلى ذي الْحُلَيْفَةِ اسم> وبات بها، صلى فيها العصر ركعتين؛ لأنه قد فارق البلد، وكانت في ذلك الوقت بعيدة، بينها وبين المسجد النبوي اسم> نحو ستة أميال، فلأجل ذلك جعلها مَحلًّا للسفر فبات فيها، وبات الناس معه ليستعدوا للإحرام.
وكان معه خلق كثير خرجوا لأجل أداء الحج لأول مرة يتمكنون منه، وكان معهم أبو بكر اسم> وقد حَجَّ في السنة التي قبلها، ولكنه خرج تلك السنة ومعه زوجته أسماء اسم> وكانت حامِلًا، فولدت في تلك الليلة -التي هي ليلة الخامس والعشرين، أو السادس والعشرين- ولدت، وأرسلت تسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- ماذا أفعل؟ فأمرها أن تغتسل -ولو كانت نفساء- وأن تُحْرِمَ بالحج، أو بالحج والعمرة.
ولما باتوا وصلى الفجر لبس إحرامه قبل أن يصلي لبس ثوبين: ثوبا على ظهره -وهو الرداء- وثوبا على بطنه وعورته-وهو الإزار- ولبس نعلين ثم أحرم، وكان قد نهاهم عن اللباس المعتاد الذي كانوا يلبسونه. سألوه في المدينة: ما يلبس المحرم؟ فقال: رسم> لا يلبس القميص، ولا العمامة، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، ولا ثَوْبًا مَسَّهُ زعفران أو وَرْسٌ، ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين متن_ح> رسم> ورخص لمن لم يجد النعلين أن يلبس الْخُفَّيْن، ويقطعهما أسفل من الكعبين. فاقتصر الناس معه على هذا اللباس، كل واحد منهم يلبس إزارا يشد به عورته، ورداء يستر به بطنه وظهره وعضديه وكتفيه، ويلبس نَعْلَيْنِ يمشي بهما إذا احتاج إلى المشي حتى يكونا وقاية له عن الحجارة والرَّمْضَاء ونحو ذلك. هكذا كان يلبس.
ثم كان أيضا قد ورد النهي عن حلق الرأس في قوله تعالى: رسم> وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ قرآن> رسم> فعرفوا أنهم بعد الإحرام لا يَحْلِقُون رءوسهم، ولا يحلقون شعورهم، فعرفوا ذلك أيضا، وألحقوا بذلك قَصَّ الأظفار من الأيدي أو الأرجل، وجعلوا ذلك أيضا من المحظورات، وعرفوا أيضا أنهم لا يقتلون الصيد؛ لأن الله نهاهم وهم محرمون بقوله تعالى: رسم> لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ قرآن> رسم> وأَذِنَ لهم بعد ذلك في قتله إذا تَحَلَّلوا بقوله: رسم> وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا قرآن> رسم> وَأَحَلَّ لهم صيد البحر، قال الله تعالى: رسم> أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ قرآن> رسم> أي المسافرين. رسم> وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ قرآن> رسم> .
كذلك أيضا عرفوا أن الْمُحْرِمَ لا يُغَطِّي رأسه، حتى ولو بعد موته، ولا يتطيب. ولما كانوا في عرفة اسم> سقط رجل من ناقته وهو واقف، ولما سقط انكسرت رقبته، وقصته ناقته، وقصته بمعنى أنه نعس وهو راكب، ثم سقط من بعيره على رأسه فمات. ولما مات وهو في عرفة اسم> قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تغطوا رأسه، ولا تحنطوه؛ فإنه يبعث يوم القيامة مُلَبِّيًا ! متن_ح> رسم> أي أنه باقٍ على إحرامه. يعني أنه لما مات قال لهم: رسم> كفنوه في ثوبين- الإزار والرداء رسم> أي اجعلوهما كفنا له، ولا تغطوا رأسه؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لا يُغَطِّي رأسه، رسم> ولا تُحَنِّطُوه متن_ح> رسم> أيْ: لا تُطَيِّبُوه، فإنه يُبْعَثُ يُلَبِّي- دَلَّ على أن الْمُحْرِمَ عليه أَلَّا يتطيب، وعليه ألا يغطي رأسه، ألا يغطيه بملاصق.
وعليه ألا يلبس الثياب المعتادة التي كان يلبسها كالعادة، فلا يلبس القميص -الذي هو الثوب الذي له جيب وله أكمام- وكذلك الفانيلة، وكذلك الْجُبَّة، وكذلك العباءة والفروة، ونحو ذلك مما هو مَخِيطٌ، ولا يلبس السراويل الذي له أكمام، وكذلك البنطلون، وكذلك التُّبَّان الذي هو السراويل بلا أكمام، ولا يلبس الْخِفَاف- إلا إذا لم يَجِدْ نعلين-. وثبت أيضا أنه -عليه السلام- خطب في عرفة اسم> وقال: رسم> مَنْ لَمْ يَجِدِ النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد الإزار فليلبس السراويل متن_ح> رسم> ؛ وذلك رفقا بهم. فبَيَّنَ هذه المحظورات. كذلك أيضا أخذوا هذه المحظورات من تفاسير العلماء لكتاب الله تعالى، ولِسُنَّةِ النبي -صلى الله عليه وسلم-.
مسألة>